منح المشرع اختصاصات وصلاحيات وخدمات القرب للمنتخبين الجماعيين ومجموعها حوالي المائة، ونص عليها في قانون يلزم الجماعة بتطبيقه، وأكثر من هذا القانون، جاء دستور المملكة وعززه بمواد تشريعية من المادة 135 إلى المادة 146، وعدّد سلطات البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية، من الفصل 70 إلى الفصل 86، وهذه المقارنة توضح التفوق البين لسلطات الجماعة وما تتمتع به من نفوذ على الهيأة التشريعية البرلمانية.
لكن مع الأسف الشديد، لم يصادق القانون الجماعي، الذي ما هو إلا خارطة طريق وضعها المشرع للاهتداء بها من المنتخبين إلى تنفيذ واجباتهم، وترك وعودهم الانتخابية وعهودهم الحزبية شأنا بين الناخبين والمنتخبين والأحزاب، ولم يتدخل فيه ولم يمنعه أو يفرضه، اعتبارا لخصوصياته السياسية.
فلا الواجبات نفذت ولا الوعود والعهود طبقت ولا مراعاة واحترام شعور الناخب، صانع الآليات الديمقراطية، نزلت، فإلى أين نحن سائرون؟
فالخير والشر والتعاسة والسعادة من الممارسة الجماعية الجاثمة والحاضنة عليها، فهل الرباطيون سعداء أم تعساء؟ هذا ما ينبغي الاشتغال عليه من طرف كافة مجالس الجماعة، فكل هذه المجالس وأقسامها ومصالحها ولجانها وجمعياتها، تدور في حلقة مفرغة فيما بينها ولم تشق بعد منفذا إلى الساكنة، وهذا الإبعاد والتباعد بين شرائح المجتمع الرباطي، بما فيها ضيوفها الأجانب وممثليهم المطوقين دستوريا وجماعيا بمسؤوليات، “موقوفة التنفيذ” ومتابعين سياسيا بالوفاء بما عاهدوا وواعدوا في جولاتهم وحملاتهم الانتخابية، وهذا الوفاء لم يظهر له أثر، فلقد داسته التطاحنات وأدماه البحث عن الامتيازات حتى انقلبت قاطرة عربات المجالس وحلت محلها قاطرة حديثة، وإن كانت من نفس النوع والإيديولوجية، نتمناها بذكاء لقيادة العاصمة إلى مرفأ السعادة لإسعاد الرباطيين وضيوفهم.
ونستغرب من التشبث إلى حد الالتصاق بسلطات جماعية طواها الدهر وأصبحت من الماضي بعدما أزاحها الذكاء الاصطناعي ونبذها تطور الرباطيين، فلم يعودوا في حاجة إلى الطرقات ولا الوثائق الإدارية، و”الواد الحار”، والنقل والفضاءات، وغيرها كثير تكلف بها المشروع الملكي، مما أزاح حملا ثقيلا على هذه القاطرة، لتتكلف أولا بخلق شروط الاستفادة من السعادة، وثانيا بجعلها هدفها فيما تبقى لها من انتداب للمنتخبين.. إننا في العاصمة العظيمة نشعر بالنقص وعواصم عربية في مستوانا أطرت سكانها للنعيم بالسعادة كحق من حقوق مواطنيها، إنه أول تحدي موكول للقيادة الجديدة للجماعة ربما يدخلها للتاريخ، وكفى من رواسب الماضي البعيد والقريب، فلم يعد أي رباطي يطيقها، وإذا تعذر إقرار هذا الحق كما تعذر على من سبقوها، فلتحترم نفسها وناخبيها وتقدم استقالتها، لأن الظروف الراهنة لم تعد تتسامح مع المعاكسين للجدية المغتنمين لصبر الرباطيين للاستمرار في العبث، وكلنا أمال في الإرادة الوطنية للقاطرة الحالية.