بعد مرور ثلاث سنوات على التجربة الجماعية بالفنيدق اي نصف مدة الولاية ، يحق للرأي العام المحلي أن يتساءل عن حصيلة مجلس منتخب وضع من شعار ” رد الاعتبار للمدينة ” موجها لتجربة تشكلت من 23 عضو جماعي موزعين على 11فصيل سياسي من مختلف الاتجاهات السياسية ، إلا أن الحديث عن الحصيلة يدفعنا اولا إلى مناقشة الشروط والأجواء العامة التي تشكل فيها هذا المجلس ، بداية من انتخابات أجريت في ظروف استثنائية تميز بمناخ الحجر الصحي والتدخل المكثف للسلطات العمومية في مناحي الحياة العامة ، وهو ما أدى إلى تشكيلة مبلقنة بشكل كبير ، اغلب أطرافها سعت إلى المشاركة في التسيير بأي ثمن وفي غياب أية رؤية واضحة لتدبير الشأن العام المحلي في مدينة كانت تمر بأوضاع استثنائية صعبة ومصيرية على جميع المستويات ، توزيع المسؤوليات والمناصب في تسيير المجلس كان كارثيا ، وتحكمت فيه الهواجس الشخصية والانتخابية والسعي وراء المكاسب ، وهو ما أفرز مكتبا مبلقناوغير منسجم لا سياسيا ولا إداريا ، انعكس بشكل مباشر على تدبير دواليب الأمور سواء داخل أروقة الجماعة ، أو في تدبير الشأن العام في المرافق الجماعية خارج الجماعة . وهنا يمكننا تحديد الحصيلة عبر اربع مقاربات أساسية :
1- المقاربة السياسية : تتجسد في غياب الحد الأدنى من التوافق والانسجام السياسي بين أعضاء الأغلبية ، وغياب تصور ورؤية موحدة ومتكاملة لدى الفريق المسير في التدبير والتسيير ، وانتشار مظاهر النميمة والبلبلة والقيل والقال والاشاعة بين الاعضاء ، وتميزت اجتماعات الاعضاء سواء في المكتب أو الأغلبية بضعف شديد وغياب القوة الاقتراحية الحقيقية وهيمنة مظاهر” البارانويا السياسية ” على كل الاجتماعات واللقاءات بين مكونات الفريق المسير وهو ماانعكس على مختلف دورات المجلس التي لولا المجهودات الفردية لأعضاء محسوبين على رؤوس الأصابع لكانت من أضعف الدورات في تاريخ المجالس الجماعية بالفنيدق.
2-المقاربة الإدارية : غياب الانسجام السياسي وضعف التواصل داخل الفريق المسير ، فسح المجال لفوضى عارمة داخل المصالح الإدارية للجماعة ، ومما زاد الطين بلة هو إنجاز هيكلة إدارية معوقة ومتخبطة بعيدة عن الواقع الإداري بالجماعة ، بل وتعيين بعض رؤساء المصالح تحت الطلب ولاغراض سياسية مكشوفة ، هذا الوضع أعطانا هيكلة إدارية معطوبة ، فتجد مثلا قسم المنازعات في نفس المصلحة مع شؤون المجلس و مع الممتلكات ، وتجد قسم التعمير جنبا إلى جنب مع الصفقات ، وتجد الحسابات مع الشؤون الاجتماعية ، وتجد الأنشطة الثقافية والرياضية مع الشؤون الإدارية ….إلى غير ذلك من مظاهر اللخبطة الإدارية ، في غياب شبه تام لدور المنتخب والسياسي في تنظيم الإدارة وفرض مناخ من الانضباط والفعالية ، لأنه لا يمكن أن تنجح تجربة جماعية في ظل إدارة مرتبكة وغير منظمة….
3- المقاربة المالية : يعتبر التدبير المالي هو العمود الفقري في التسيير الجماعي ، بحكم أن توازن ميزانيات التسيير والتجهيز هو الذي يعطي فرصة لتدبير جماعي أمثل وفعال، لكن خلال هذه التجربة وفي ظل الأوضاع الكارثية التي تعيشها مدينة الفنيدق على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فشل المجلس اولا في هيكلة قسم الجبايات وشساعة المداخيل والوعاء الضريبي، إضافة إلى وجود نقص كبير في الموارد البشرية والاعتماد على الأعوان العرضيين في مسؤوليات مالية وجبائية صعبة ومحفوفة بالمخاطر الإدارية والقضائية ، كما أن التعديلات التي عرفها القرار الجبائي كانت غير موضوعية ولا تنسجم مع الوضع المالي بالمدينة ، بالإضافة إلى صعوبة الاستخلاص والمشاكل التقنية والإدارية والقضائية المرتبطة بهذا الجانب ، كل هذا أدى إلى ارتفاع الباقي استخلاصه وجعل ميزانية التجهيز جد هزيلة ، وترك ميزانية الجماعة تقف مرارا على عتبة العجز المالي.
4- المقاربة التواصلية : رغم أن الفريق المسير قام بتشكيل خلية للاعلام والتواصل ، إلا أن دورها بقي محدودا أمام المشاكل السياسية وغياب موقع رسمي للجماعة ، بل وعدم توفر الفريق على رؤية تشاركية في التواصل مع الرأي العام ، باستثناء بعض المجهودات الفردية التي بقيت في غالب الاحيان تعبر عن آراء شخصية في غياب مواقف رسمية وعلنية معبر عنها من الفريق المسير ، بالإضافة إلى غياب نواب الرئيس وعجز معظمهم عن القيام بمهام في هذا الإطار ، بل حتى حضورهم في أنشطة رسمية واجتماعات إقليمية كان باهتا في غالب الأحيان ولم يعط أية قيمة مضافة في هذا الشأن ، بل و حتى القرارات والمواقف الإدارية لرئيس المجلس عجز نوابه عن تصريفها والدفاع عنها في لقاءات رسمية ، وهذا ربما اكبر مشكل بنيوي تعاني منه هذه التجربة الجماعية….
يتبع….