نحو البحث عن وعي جماعي وإيجابي لقضايانا الوطنية

اختلطت العديد من المفاهيم فى حياتنا اليومية ، مفاهيم اقتصادية وسياسي وأخرى مرتبطة بالحقل الإجتماعي ، فى ظل سيطرة وسائل التواصل الإجتماعي ، و تأثيراتها على الأفراد ، بالسلب أو الإيجاب . وبين هذين التأثيرين ، الموظفين أساسا لصناعة وتوجيه الرأي العام ، وكما هو معلوم فالسياسة تعبير مكثف عن الإقتصاد.
هنايقف المثقف الإيجابي ، على قارعة طريق المشهد الوطني العام ، في ظل التساهل في تقدير الكفاءات والنخب، الموكول لها تسيير الشأن العام والمشاركة في صناعة القرار المحلي و الجهوي و الوطني ، تساهل من داخل أحزابنا السياسية في تقييم إختيار الأشخاص ، وفقا لمعايير قائمة على التخصص والمصداقية والنزاهة والإستقامة .
لتأخدنا الدهشة حينما نقارن ذلك التفوق الوطني ، في حقل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية ، وكيف إستطاعت كفاءات مستقلة تكونت وتمرست داخل دوائر إشتغالها وأبحاثها في رفع راية المغرب وتحقيق إنتصاراته الديبلوماسية ، الخارجية كما الداخلية التي حقق التفوق الأمني والإستخباراتي دوليا. لنتساءل وبنفس الدهشة عن سبب التأخر والبطئ والفشل ، أحيانا ، على أداء باقي الدواليب الحكومية، المسندة لأحزابنا السياسية المحترمة، وكذلك عن سؤال المعارضة الحقيقية داخل البرلمان وعن وعن … رغم أننا ننؤمن بخيارنا الديمقراطي وبالتعددية الحزبية لبلادنا .
هنا نعود عودة المثقف الإيجابي ، الذي يمتلك القدرة على تقليص أكبر قدر من السلبيات والانتقادات ، غير المؤسسة على معطيات علمية وإحصائية ، لمختلف انجازات حكومة بلده لينتقد ويقيم أداءها، وهو الحريص على تعزيز أى قدر من الإيجابيات والبحث عنها في تجارب أداء الحكومات السابقة بغض النظر على ألوانها السياسية ، إنها قمة المساهمة فى تعزيز الوعى في المجتمع ، وإنتشاله مما يتم تداوله من أخبار كادبة هدفها التشكيك في مؤسساته الوطنية .

غير أن الأمر يستعصي أحيانا على ذات المثقف ، وبغض النظر عن كومة الأخبار الكادبة المتداولة عبر مختلف وسائل التواصل الإجتماعي للوصول إلى الحقيقة ، حينما يتعلق الأمر بتداول تقارير رسمية صادرة عن جهات حكومية .
هنا نقف معكم يا سادة على ما جاء في تقرير المندوب السامي للتخطيط وحديثه عن بوادر الندرة ، التي ستصبح أكثر وضوحا في الوقت القريب و ليضيف المندوب السامي “أن الأزمة التي يعيشها المغرب سببها سوء التدبير الحكومي و أننا بصدد الانتقال من مرحلة الخصاص التنموي والتفاوت الطبقي، إلى مرحلة جديدة عنوانها الاندحار الجماعي لجميع الفئات الاجتماعية .”
وطبعا هذا ما لا نتمناه أبدا ، لبلد شكل الإستثناء ، في أوج الأزمات الإقليمية والدولية ، إلى وطن لا يقبل التجزأة ولا الإنفصال ولا الخنوع ، إلى بلد الشرفاء والصالحين.
إسمحوا لي أن أطرح هذه الأسئلة والتي لا تحتاج أجوبتها الى خبرئنا في الإقتصاد ولا التنمية وفي سياق قراءتها المتواضعة للتقرير الأسود لمندوبين التخطيط .
عن أزمة الغلاء و عن الزيادات غير المسبوقة التي عشناها و نعيشها جميعا في أقسى حالاتها والتي بلغت حد الغرغرة ، مع رفع الدعم عن “البوطا” ، ومع أزمة عيد الأضحى الأخير .
هل نحن أمام أزمة عابرة أم ظرفية؟ وما سبب التضخم غير المسبوق الذي نعيشه اليوم وهل سيصبح أمرا واقعا مستمرا ؟ أم أن مستوى الأسعار التي مست جيوب المغاربة قاطبة لا تعدوى سوى أزمة عابرة ؟
هل سبب هذا الكابوس المخيف أزمات دولية ؟ أم آثار الجائحة التي تجاوزناها في أوجها والعالم علينا شهيد ، فكنا الإستثناء بعزة وفخر أمام الأمم ، وفي واقع أمر مما نمر منه اليوم ؟
هل سوء التدبير والتخطيط هو الذي قادنا إلى تجفيف مواردنا المائية ؟ لتحول نموذجنا الإنتاجي في الفلاحة إلى مجرد حديقة خلفية للأجانب في ظل شعار المغرب الأخضر …مقابل تراجع الإنتاج الوطني الذي يفرض على مسؤولينا المحترمين تحقيق الأمن الغدائي والطاقي للبلاد وأجيلها القادمة ؟
أم أن مخططاتنا هي مجرد “إعلانات براقة” وهذا ما لا نقبله مع نمودجنا التنموي الجديد الذي نعلق عليه كل أمالنا في التنمية والتقدم ؟

إن ما قام به مجلس المنافسة ، ويقوم بها بكثير من الصعوبة بنك المغرب، و أعلنه بكل صراحة المندوب السامي للتخطيط في تقريره الأخير المثار بعضا مما جاء فيه سلفا ، والذي أكدت فيه الجهة المصدرة له : ” أننا أمام تدبير متناقض للمصالح الوطنية العليا، بل تدبير مخرب ومدمر للقدرات الوطنية، ومهدد للاستقرار والسلم الإجتماعيين … “
إن خرجات بعض وزرائنا وقرراتهم العشوائية ، توحي لنا أننا أمام “حكومة هوات ” ، وهذا ما لا نقبله بتاتا ، لأننا أحببنا أم كرهنا فنحن من إخترنا منتخبينا وممثلينا ومسؤولينا ، إخترنا أم أبينا وحتى بعزوف البعض منا، حين قاطعوا صناديق الإقتراع ،و الأمر حينما لا يهم الحسم في الإختيار والبديل … لم يعد يقبل منا البكاء ولا لطم الخدود ، ياسادة …
لن نستسلم فمهما إشتدت الرياح وعصفت بقوة ، إلا وتجدنا شعبا قويا صلبا أمام كل المنزلقات والظروف ، التي قد تمس بمقدوراتنا وإصرارنا على التميز والريادة.
لقد تعلم أجدادنا وأباؤنا وعلمونا درسا ورثناه ونورثه لأبنائنا وأحفادنا ، درسا مفاده أن العبرة من تجارب الأقوام السابقة ودروس التاريخ عبر القرون ،أن الشعوب التي أسلمت قيادها الى الدهماء وإنقادت مع من لم يحسب حساب الخسارات آل بها الامر الى التردي والسقوط والإضمحلال .
أما الشعوب والأمم التي أسلمت قيادتها الى ذوي العقل والحكمة والرأي والحنكة ، ممن وزنوا الأمور بميزان المصلحة العامة وحكموا رؤية مستقبلية تضع الوطن وقيم الوحدة فوق كل اعتبار ، هم فقط من كتب لهم العيش والإستمرار لبناء الحضارات وتأسيس المنجزات التي ستبهر العالم بأسره .

ختاما ، ولسنوات مضت اعتدنا أن نسمع ونشاهد شهادة الغربيين في وطننا وتصنيفات منظماتهم وهيئاتهم ، وكأننا نحتاج إليها حتى نعرف قيمة الوطن بين الدول ولنلخصه في رقم ترتيبي من الأرقام،غير متسائليين وباحثين عن معايير ذلك التصنيف .
إن الوطن اليوم ، و لمواجهة كل الأزمات والتحديات ، في حاجة الى كل أبنائه وكفاءاته وخبراته بالداخل كما بالخارج ، في حاجة ماسة الى وحدة الصف وتوحيد الجبهة الداخلية ضد الفساد والنهب والإختلاسات …
في حاجة إلى من يكتب عن بهاء المغرب وجمال مدنه ورخاء عيش ساكنته ، و عن شموخ جباله وعطاء أرضه و بحره…في حاجة إلينا جميعا .

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top