ما لم يشر إليه المحللون في بلاغ الديوان الملكي

بعد يومين أو ثلاثة ستخفت بالتدريج أصوات اللغة العاطفية الاحتفالية بالمبادرة الملكية الخاصة بعفو جلالة الملك عن المتابعين في الاستعمالات غير المشروعة لزراعة القنب الهندي، وسيكون المستفيدون من هذا العفو أمام حقيقة وضعيتهم الجديدة خارج جدران السجن، وعددهم يقرب من 5 آلاف ينتظرون ترجمة ما ورد في بلاغ الديوان على أرض الواقع، تتجاوز ادوار وصلاحيات الوكالة الوطنية لتقنين الاستعمال المشروع للقنب الهندي.

وقد تابعت مختلف التحليلات المواكبة لهذا الحدث فوجدتها تركز على لحظات الاحتفال بالانفراج الذي أحدثه اللحظة، في غياب تحليل عميق لعبارات دالة في بلاغ الديوان الملكي اتسمت بالموضوعية والواقعية والشمولية في معالجة الملف على المدى المتوسط والبعيد بانخراط المؤسسات المختلفة كل حسب اختصاصه، فقد حث البلاغ على ضرورة إعداد منظور شامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المعنية، وكنت اتمنى أن يحضر هذا البعد في التحليل بمشاركة فاعلين من قطاعات حكومية مختلفة ، ومؤسسات المجتمع المدني لتحليل فقرات هذا البلاغ الدقيق.

– تركز فيه وزارة العدل على بيان الدلالات والأبعاد القانونية لهذا العفو حتى لا يفهم على غير قصده، وذلك من خلال توضيح أنه يشكل إحداث قطيعة مع مرحلة سابقة طابعها الاتجار في المخدرات، وعدم العودة إليها، الى مرحلة جديدة لتنظيم هذه الزراعة وتحويلها الى الاستعمالات المشروعة في المجال الطبي والتجميلي وغيرها.

– بيان الاحتفاظ بالمقتضيات ذات الصلة بالاتجار في المخدرات في القانون الجنائي، حماية للمجتمع من الآفات الصحية والاجتماعية الناتجة عن استعماله أو الاتجار فيها، بل وإمكانية تشديدها لأن حالة العود أو التورط تشكل بالإضافة إلى هذه الآفات الاجتماعية إساءة لهذا العفو الملكي السامي.

– تركيز قطاعات التشغيل والصناعة والتجارة والتنمية المجالية والاستثمار على إبراز آفاق مواكبة هذا العفو ببرامج للتنمية الاجتماعية المستدامة في هذه المناطق، في مختلف المجالات لان برنامج الزراعة المشروعة وحده لا يكفي لتلبية حاجات الساكنة، بل لا بد من مقاربة مندمجة متعددة المجالات والمسارات.

– تركيز وزارة التربية الوطنية على أهمية تكثيف برامج التوعية والتربية بخطورة استعمال المخدرات كيف ما كان نوعها وأيا كان مصدرها خاصة في صفوف الشباب، حتى لا يفهموا ان هذا العفو يشكل ضوءا أخضر لبعض من لم يفهم مقاصده وأبعاده.

– تركيز وزارة الصحة على توضيح المجهودات المبذولة في العناية ببرامج المواكبة والعلاج الخاصة بالمدمنين لمساعدتهم على تجاوز وضعيتهم النفسية والصحية وإعادة إدماجهم في المجتمع، والجهود المبذولة بتعاون مع القطاعات الأخرى للحد من الظاهرة، مع بيان ثقل الكلفة التي تتحملها الدولة والمجتمع جراء انتشار الظاهرة.

– تركيز وزارة الاوقاف من خلال الخطاب الديني على توضيح حاجة المستفيدين من العفو الملكي في الدنيا الى عفو إلاهي في الآخرة وبث الامل في عفو الله ورحمته، من خلال التوعية بأهمية المسارعة إلى التوبة والاستغفار والاكثار من فعل الخير والسعي إلى الكسب الحلال والقطع مع الكسب الحرام، فصاحب الجلالة بهذا العفو الكريم لم يحرم حلالا ولم يحلل حراما، وتقوية الوازع الديني بهذه المعاني يعد عاملا حاسما في القطع مع الوضعية السابقة وتوابعها، فمن يرد الله به خيرا جعل له واعظا من نفسه.

– سعي وزارة الإعلام والاتصال إلى إعداد برامج للتوعية بخطورة ظاهرة الاتجار واستهلاك المخدرات بمقاربة وقائية تشكل الوعي القانوني والصحي والاجتماعي باستثمار الاعمال الفنية الابداعية، والحد من كل المشاهد التي من شأنها أن تقلل من شان الظاهرة واستسهالها.

هذا هو التحليل المنتظر لبلاغ الديوان الملكي في مختلف أبعاده، الذي يشكل خارطة عمل واقعية متكاملة ومندمجة على المدى المتوسط والبعيد يتجاوز احتفالية اللحظة الى واقعية المواكبة والإنجاز.

فهنيئا للمفرج عنهم بهذا العفو الملكي السامي، وأكبر تهنئة لهم وللمجتمع المغربي ستكون في رصد آثار ذلك على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية للمغاربة على المدى المتوسط والبعيد، كما يطمح الى ذلك جلالة الملك من خلال مبادرته الكريمة.

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top