المحاماة في خطر الوقفة أمام البرلمان نداء للعدالة والمساواة.

اليوم يشهد مبنى البرلمان تجمعًا استثنائيًا ، حيث يحتشد المحامون والمحاميات في وقفة موحدة للدفاع عن كرامة المهنة وشرفها.

هذه الوقفة ليست مجرد تعبير عن الاحتجاج، بل هي صرخة مدوية ضد التراجعات والتعديات على حقوق المواطنين وحقهم في الولوج إلى العدالة.*نداء ضد الإجهاز على المكتسبات. المحاماة، باعتبارها أحد أركان العدالة، تعد مرآة لأي مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويضمن سيادة القانون.

ومع ذلك، نجد أنفسنا اليوم أمام تحديات تهدد هذه القيم. مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تمت المصادقة عليه مؤخرًا من قبل مجلس النواب، يعكس توجهًا خطيرًا نحو تقييد الحقوق الأساسية، والحد من قدرة المواطنين على الدفاع عن حقوقهم أمام القضاء.

إن المساس بحق المواطنين في التقاضي، وفرض غرامات على المتقاضين بحجة “سوء النية”، يعتبر خرقًا صارخًا لمبادئ الحق في محاكمة عادلة. هذا النوع من التشريعات يعزز مناخ الخوف والترهيب، مما يعيق الوصول إلى العدالة ويضر بحقوق الإنسان.

فكما جاء في المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، “لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تُنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ونزيهة”.*العدالة والمساواة: حقوق غير قابلة للتفاوض. التمييز المالي بين المتقاضين، كما ينص عليه مشروع القانون، يمثل تهديدًا خطيرًا لمبدأ المساواة أمام القانون.

إن تخصيص الفئات على أساس قدراتها المالية يعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويجعل العدالة متاحة لمن يملك المال فقط. هذا الوضع يتناقض مع الفقرة 1 من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد على أن “جميع الأشخاص متساوون أمام المحاكم والهيئات القضائية”.المواد 30 و31 من مشروع القانون تكرس هذا التمييز من خلال تحديد نطاق الاستئناف على أساس قيمة الدعوى، مما يحد من حق المواطنين ذوي الدخل المحدود في الطعن في الأحكام.

هذا التمييز ليس مجرد خرق لمبدأ المساواة، بل هو أيضاً تجاهل صارخ لحق التقاضي على درجتين، الذي يعتبر من أسس المحاكمة العادلة.*استقلالية المحاماة: ضرورة لضمان العدالة.

إن المحاماة ليست مجرد مهنة؛ بل هي عنصر حيوي في منظومة العدالة. المحامون والمحاميات يمثلون الدرع الحامي لحقوق الأفراد أمام القضاء، وهم صوت من لا صوت له في مواجهة السلطة.

مشروع القانون الجديد، مع ذلك، يسعى إلى تقييد هذا الدور الحيوي، من خلال نصوص تفرض على المحامين قيودًا جديدة وتضعهم تحت مراقبة مشددة من قبل النيابة العامة. المادة 94، التي تسمح للنيابة العامة بمراقبة خطب المحامين أمام القضاء، تشكل تهديدًا لاستقلالية الدفاع وتفتح الباب لتدخلات قد تؤثر على حياد القضاء.

هذا النص يتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق المحامين، كما نصت عليها الأمم المتحدة، والتي تؤكد على حق المحامين في ممارسة مهنتهم دون قيود أو ضغوط غير مبررة.*ضرورة التغيير.

إن المحاماة ليست مجرد مهنة، بل هي رمز للشفافية والديمقراطية. بدون محاماة مستقلة، يتعرض أي بلد لخطر أن يصبح نظامه شموليًا وتحكميًا. إن التشريعات التي تقيد دور المحاماة وتفرض على المواطنين اللجوء إلى القضاء دون مساعدة قانونية متخصصة، تعزز مناخاً من عدم الثقة في النظام القضائي وتضعف مفهوم العدالة كحق أساسي.

في هذه الوقفة أمام البرلمان، يرسل المحامون والمحاميات رسالة واضحة: لا للتراجع عن المكتسبات، لا للمساس بالعدالة. إن الدفاع عن استقلالية المحاماة وضمان حق الجميع في الوصول إلى العدالة هو مسؤولية جماعية.

يجب أن نعمل جميعًا على تعزيز هذه القيم، لأنها أساس أي مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويضمن العدالة والمساواة للجميع.

شارك الخبر:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top